من غياب الحرب إلى أسس الرفاهية
تطور مفهوم السلام ضمن الأطر العالمية بشكل كبير على مدى عقود. تم تعريف السلام في البداية بشكل ضيق على أنه “غياب الحرب”، ثم توسع تدريجياً ليشمل السمات الإيجابية للانسجام الاجتماعي والعدالة والأمن البشري.
توج الاعتراف الرسمي بالسلام والعدالة كعناصر أساسية للتنمية المستدامة في اعتماد هدف التنمية المستدامة 16 للأمم المتحدة عام 2015. يتضمن نموذج اقتصاديات الدونات لكيت راوورث السلام والعدالة كأحد الأسس الاجتماعية الاثني عشر التي تشكل الحد الداخلي لـ"المساحة الآمنة والعادلة للبشرية".
قياس ورسم خرائط السلام والعدالة العالمية
يوجد إطاران رئيسيان لقياس السلام والعدالة العالميين: مؤشر السلام العالمي ومؤشر سيادة القانون لمشروع العدالة العالمية. تقدم البيانات الأخيرة اتجاهات مقلقة - تدهور مستوى السلام العالمي للعام التاسع على التوالي، مع زيادة وفيات الصراعات العالمية بنسبة 96% لتصل إلى 238,000 في عام 2022.
تشمل الدول الأكثر سلماً أيسلندا ونيوزيلندا وأيرلندا والدنمارك والنمسا، بينما تشمل الأقل سلماً أفغانستان واليمن وسوريا وجنوب السودان وأوكرانيا.
الترابطات والاعتماد المتبادل
في نموذج اقتصاديات الدونات، يشكل السلام والعدالة أحد الأسس الاجتماعية الاثني عشر إلى جانب الماء والغذاء والصحة والتعليم والدخل والعمل والصوت السياسي والإنصاف الاجتماعي والمساواة بين الجنسين والإسكان والشبكات والطاقة.
تؤكد الأبحاث هذا الترابط، حيث تظهر أن أهداف التنمية المستدامة تعمل كشبكة وليس كأهداف معزولة. تخلق التحسينات في السلام والعدالة “تأثيرات متموجة” إيجابية عبر الأسس الاجتماعية الأخرى.
التطبيقات العملية
برزت المدن كمختبرات مهمة لتنفيذ مبادئ اقتصاديات الدونات. توفر أمستردام مثالاً رائداً، حيث اعتمدت اقتصاديات الدونات للتعافي الاقتصادي بعد كوفيد. كما نفذت بلدية لفيف في أوكرانيا النموذج، محددة بشكل صريح “السلام والعدالة” كقطاع رئيسي.
تغير المناخ والندرة ومستقبل الصراع
يهدد تغير المناخ بتكثيف التنافس على الموارد ومخاطر الصراع، خاصة على موارد المياه. تشير التوقعات إلى عام 2050 إلى أن “الممر الآمن والعادل ضمن حدود نظام الأرض” يتقلص، ويرجع ذلك أساساً إلى تزايد عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
مسارات نحو السلام والعدالة المستدامين
تقدم عدة مناهج واعدة مسارات نحو السلام والعدالة الدائمين. يستفيد بناء السلام البيئي من التحديات البيئية والترابطات لخلق فرص لصنع السلام الاستباقي. يوفر مفهوم عدالة نظام الأرض إطاراً لدمج الحدود البيئية مع اعتبارات العدالة.
خيار وليس قدراً
هل ستجد البشرية السلام والعدالة الدائمين؟ تقدم الأدلة صورة مختلطة. المسار الحالي مقلق، لكن التطورات الواعدة تقدم الأمل. تحقيق السلام والعدالة الدائمين سيتطلب تغييرات تحويلية لمعالجة عدم المساواة المتزايد وضمان توزيع عادل للموارد وبناء أنظمة حوكمة تعاونية.