أثارت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature مخاوف بشأن الوضع الحالي لنظام المناخ على كوكب الأرض. تشير الأبحاث إلى أن الحد المناخي “الآمن والعادل” قد تم تجاوزه بالفعل، حيث تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية عتبة 1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.1 هذه النتيجة مهمة بشكل خاص في سياق هدف اتفاقية باريس للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية، حيث تشير إلى أننا قريبون بشكل خطير من تجاوز هذا الحد الحرج.

يقترح مؤلفو الدراسة حدًا “آمنًا” للاحترار السطحي يبلغ 1.5 درجة مئوية وحدًا “آمنًا وعادلًا” يبلغ 1 درجة مئوية.1 مع ارتفاع حرارة الكوكب بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية في المتوسط، من الواضح أن هناك حاجة إلى إجراءات عاجلة لمنع المزيد من ارتفاع درجات الحرارة وتأثيراتها المرتبطة على المجتمعات البشرية والأنظمة البيئية.

على الرغم من أن هذه الأخبار قد تبدو محبطة، إلا أنها تعمل أيضًا كجرس إنذار حاسم لصانعي السياسات والشركات والأفراد لمضاعفة جهودهم في التخفيف من تغير المناخ. يمكن أن يحفز الاعتراف بأننا قد تجاوزنا بالفعل حدودًا معينة على اتخاذ إجراءات أكثر طموحًا وفورية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتنفيذ استراتيجيات التكيف.

2024: عام قياسي لدرجات الحرارة العالمية

تؤكد البيانات الأخيرة من خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ على إلحاح معالجة تغير المناخ، والتي تشير إلى أن عام 2024 “مضمون تقريبًا” أن يصبح العام الأكثر حرارة على الإطلاق.2 يأتي هذا التوقع بعد فترة استثنائية من الحرارة الشديدة التي دفعت متوسط درجات الحرارة العالمية إلى مستويات غير مسبوقة بين يناير ونوفمبر من هذا العام.

من المثير للقلق بشكل خاص احتمال أن يكون عام 2024 هو العام الأول الذي يتجاوز الزيادة الحرجة البالغة 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.2 على الرغم من أن هذا لا يعني أننا قد تجاوزنا بشكل دائم هدف 1.5 درجة مئوية في اتفاقية باريس، إلا أنه يسلط الضوء على التكرار والشدة المتزايدين للسنوات الدافئة والنافذة الضيقة للعمل المناخي الفعال.

رافقت درجات الحرارة القياسية لعام 2024 سلسلة من الأحداث المناخية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الفيضانات الكارثية في إسبانيا وكينيا، والعواصف المدمرة في الولايات المتحدة والفلبين، والجفاف الشديد وحرائق الغابات في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية.2 تعمل هذه الأحداث كتذكيرات صارخة بالعواقب الحقيقية لتغير المناخ والحاجة الملحة لاستراتيجيات التخفيف والتكيف.

الحدود الكوكبية: نهج شامل للاستدامة

على الرغم من أن تغير المناخ قد هيمن على الكثير من خطاب الاستدامة في السنوات الأخيرة، من الضروري الاعتراف بأنه مجرد واحد من تسعة حدود كوكبية حرجة يجب إدارتها لضمان نظام أرضي مستقر وصالح للسكن. يوفر إطار الحدود الكوكبية، الذي قُدم لأول مرة في عام 2009 وتم تحديثه مؤخرًا، رؤية شاملة لأنظمة دعم الحياة على الأرض والحدود التي يمكن للبشرية العمل ضمنها بأمان.3

كشف تقييم عام 2023 لجميع الحدود الكوكبية التسعة أن ستة منها قد تم تجاوزها بالفعل.3 يؤكد هذا الاكتشاف المقلق على الطبيعة المترابطة لأنظمة الأرض والحاجة إلى نهج شامل للاستدامة يعالج ليس فقط تغير المناخ ولكن أيضًا قضايا حرجة أخرى مثل فقدان التنوع البيولوجي وتغيير نظام الأراضي والتدفقات البيوجيوكيميائية.

كانت صناعة الهواء الطلق في طليعة تبني إطار الحدود الكوكبية في استراتيجيات الاستدامة المؤسسية. كانت شركات مثل Houdini وVaude رائدة في دمج هذا المفهوم في نماذج أعمالها، مما يدل على أنه من الممكن مواءمة الأنشطة التجارية مع الحدود البيئية.3 توفر هذه الشركات الرائدة دراسات حالة قيمة للشركات الأخرى التي تتطلع إلى تنفيذ استراتيجيات استدامة أكثر شمولاً.

اقتصاديات الدونات: الموازنة بين الضرورات الاجتماعية والبيئية

يقدم نموذج اقتصاديات الدونات، الذي طورته الاقتصادية كيت راوورث، إطارًا مقنعًا لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية في وقت واحد. من خلال دمج مفهوم الحدود الكوكبية مع مقاييس الأساس الاجتماعي، يوفر نموذج الدونات تمثيلاً بصريًا للمساحة التي يمكن للبشرية أن تزدهر فيها بشكل مستدام.4

قدمت الأبحاث الحديثة من Empa والجامعة التقنية في براونشفايغ دليلاً مشجعًا على أنه من الممكن تقنيًا لأكثر من 10 مليارات شخص العيش بشكل مستدام على الأرض مع تحقيق مستوى معيشي لائق للجميع.5 يتحدى هذا الاكتشاف فكرة أن الاستدامة البيئية ورفاهية الإنسان متعارضتان بطبيعتهما ويشير إلى أنه مع السياسات والتقنيات الصحيحة، يمكننا خلق عالم أكثر إنصافًا واستدامة.

تقترح الدراسة عدة تحولات رئيسية ضرورية لتحقيق “الدونات” للعيش المستدام:

  1. انتقال كامل بعيدًا عن الوقود الأحفوري
  2. التحول نحو أنظمة غذائية نباتية في الغالب
  3. عدم تحويل المزيد من المناظر الطبيعية إلى أراضٍ زراعية
  4. مواءمة مستويات المعيشة مع الاحتياجات الأساسية، مما قد يتطلب استهلاكًا أكثر تواضعًا للموارد في بعض البلدان الغنية5

على الرغم من أن هذه التغييرات تمثل تحديات كبيرة، إلا أنها توفر أيضًا فرصًا للابتكار وخلق فرص العمل وتحسين جودة الحياة. يؤكد الهامش الضيق لتحقيق “الدونات” على أهمية التقدم التكنولوجي والممارسات الزراعية المستدامة والتحول نحو الاقتصاد الدائري في خلق مجال بيئي إضافي.

رصد وفهم الأنظمة البيئية في القارة القطبية الجنوبية

مع مواجهتنا لتغير المناخ العالمي، يصبح فهم تأثيراته على الأنظمة البيئية الحساسة مثل القارة القطبية الجنوبية أمرًا بالغ الأهمية. تهدف البعثة الأخيرة لجامعة وولونغونغ إلى شرق القارة القطبية الجنوبية إلى قياس آثار تغير المناخ على التنوع البيولوجي في هذه المنطقة النائية.6 هذا البحث حيوي لعدة أسباب:

  1. يوفر بيانات قيمة حول كيفية تأثير تغير المناخ على واحدة من أكثر بيئات الأرض نقاءً وضعفًا.
  2. يساعد في تحديد الاتجاهات والتغييرات في الأنظمة البيئية القطبية الجنوبية، والتي يمكن أن تعمل كأنظمة إنذار مبكر للتحولات البيئية العالمية.
  3. سيسمح نشر تقنية الاستشعار الجديدة بالرصد المستمر والآلي للحياة النباتية في القارة القطبية الجنوبية، مما يوفر بيانات في الوقت الفعلي عن الظروف البيئية وصحة الغطاء النباتي.6

يقدم تركيز البعثة على رصد معدلات نمو الطحالب والتحقيق في التربة المكشوفة حديثًا على طول مناطق تراجع الأنهار الجليدية رؤى حول التأثيرات طويلة المدى لتغير المناخ على التنوع البيولوجي في القارة القطبية الجنوبية. يساهم هذا البحث في فهمنا لكيفية استجابة الأنظمة البيئية للظروف البيئية المتغيرة ويمكن أن يفيد استراتيجيات الحفظ في القارة القطبية الجنوبية وفي مناطق حساسة أخرى حول العالم.

الخلاصة: دعوة للعمل المتكامل

تؤكد النتائج الأخيرة حول تغير المناخ والحدود الكوكبية والتنمية المستدامة على الحاجة الملحة للعمل المتكامل عبر جميع قطاعات المجتمع. على الرغم من أن التحديات التي نواجهها كبيرة، يكشف البحث أيضًا عن فرص لخلق عالم أكثر استدامة وإنصافًا.

تشمل الأولويات الرئيسية للعمل:

  1. تسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري
  2. تنفيذ الممارسات الزراعية المستدامة وتعزيز الأنظمة الغذائية النباتية
  3. حماية واستعادة الأنظمة البيئية الطبيعية لتعزيز التنوع البيولوجي وعزل الكربون
  4. مواءمة الأنظمة الاقتصادية مع الحدود البيئية من خلال نماذج مثل اقتصاديات الدونات
  5. الاستثمار في البحث ورصد الأنظمة البيئية الحساسة لفهم آثار تغير المناخ والتخفيف منها بشكل أفضل
  6. تعزيز التعاون الدولي لمعالجة التحديات البيئية العالمية

من خلال تبني هذه الأولويات والعمل بشكل جماعي نحو مستقبل مستدام، يمكننا التعامل مع التحديات المعقدة للقرن الحادي والعشرين وخلق عالم يزدهر ضمن الحدود الكوكبية مع تلبية احتياجات جميع سكانه.

المراجع